ستة و ستين سنة و المساواة مش هنا

بمناسبة الذكرى 66 لاصدار مجلة الأحول الشخصية نحن جمعية أصوات نساء، وفي إطار متابعتنا للظرفية السياسية و القانونية التونسية و الواقع المعيشي للنساء التونسيات والصعوبات التي تواجهنها في حياتهن اليومية خاصة في ظل حالة الاستثناء و دستور الجمهورية الثالثة,
و أمام تدهور وضعية المواطنات التونسيات و النساء المتواجدات على التراب التونسي, لا يسعنا الا أن نؤكد على أن الاحتفال بهاته الذكرى لا يغدو الا أن يكون مناسبة أخرى للتذكير بالهنات التي تشوب هاته المجلة و التي و بالرغم من أهميتها و ريادتها في العالم العربي فانها أصبحت واجبة للمراجعة حتى تتلاءم مع المتطلبات الراهنة للنساء التونسيات خاصة في ظل الوضعية السياسية و القانونية الحالية للبلاد التونسية.
حيث أن مجلة الأحوال الشخصية تتمتع بقيمة اعتبارية كبيرة لكونها مكونا أساسيا من مكونات الشخصية الوطنية التونسية, و مع ذلك فانه يغدو من الواجب تعصيرها حتى تتواكب مع حاجيات مجتمع كان لها الفضل في تطويره.


اذ أن هاته المجلة تحمل في فصولها مظاهر تعرقل السير نحو المساواة التامة و الفعلية بين النساء و الرجال. ذلك أن رئاسة العائلة تحتاج موقفا أكثر وضوحا بما أن فصلها الثامن (8) اشترط أن يكون :  » الولي هو العاصب بالنسب ويجب أن يكون عاقلا ذكرا رشيدا والقاصر ذكرا كان أو أنثى وليه وجوبا أبوه أو من ينيبه.  » و هو ما من شأنه أن يمثل تمييزا صريحا ضدها و الحال أن المنطق يفرض الاتجاه نحو تغليب مصلحة الطفل في هذا الاطار.

أيضا, فان تحميل الزوج عبء الانفاق على الأبناء و الزوجة متى تم الدخول بها يترجم تفكيرا باليا لا يتلاءم مع الواقع الحديث للأسرة التونسية التي بات الانفاق فيها مشتركا بين الزوجين و قائما على التعاون في أغلب الحالات و يكرس أيضا النظرة التشيئية للنساء و اختصارهن في أداة لاشباع رغبات الزوج الجنسية متى تم الدخول بها.

من جهة أخرى, تبقى مسألة المساواة في الميراث الهنة الكبرى في مجلة الأحوال الشخصية و النقطة التمييزية الكبرى بين النساء و الرجال و التي تكرس النظرة الدونية تجاههن بما أنها تمثل عائقا أمام تمتع النساء بالمساواة التامة و الفعلية مقابل تغير وضعها المجتمعي من حيث مساهمتها في خلق الثروة و الانفاق على العائلة و تسيير المؤسسات الاقتصادية, و ذلك خاصة في ظل الخطاب السياسي التقسيمي الصادر عن رأس السلطة التنفيذية الممثل في رئيس الجمهورية و الذي يجعل من مسألة المساواة في الميراث مسألة ثانوية نخبوية لا تهم الا قلة قليلة من النساء و الحال أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية لجميع النساء التونسيات.

و علاوة على كل هذا, فان الوضعية السياسية و القانونية التي تعيشها البلاد التونسية في الفترة الحالية لا يمكن الا أن تؤكد مخاوف أصوات نساء بشأن حياة النساء التونسيات و حقوقهن. ذلك أن دستور رئيس الجمهورية الجديد يحمل في طياته العديد من الأفخاخ التي تهدد حقوق النساء و حرياتهن و منها غياب التنصيص على مدنية الدولة, و التي تمثل أكبر ضمانات الحقوق و الحريات, و منح ضرورة تطبيق مقاصد الإسلام مكانة دستورية بدون تقديم أية إيضاحات عن المنهج التأويلي الذي سيتم اتباعه لتفسير هاته المقاصد, و غيرها من الفصول المريبة و التي تشكل تراجعا الى الوراء من حيث حقوق النساء و حرياتهن.

و في الختام, و ان تؤكد أصوات نساء مرة أخرى على أهمية مجلة الأحوال الشخصية و مكانتها في الترسانة القانونية التونسية و مساهمتها في تطوير المجتمع التونسي على مر السنوات, فانها تؤكد على ضرورة تنقيحها بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع و النساء التونسيات الحالية بما يضمن المساواة التامة و الفعلية بين النساء و الرجال و تلح على ضرورة قيام هذا التنقيح على نظرة تشاركية تساهم فيها كافة مكونات المجتمع التونسي و خاصة منظمات المجتمع المدني الحقوقية و النسوية حتى يتم اصدار مجلة أحوال شخصية متلائمة مع العصر و مستجيبة لتطلعات النساء..كل النساء.

عاشت تونس جمهورية حرة مستقلة.